Tuesday, February 16, 2010

طبق من البطيخ



"هي ... أنت ... أيها الفتى الصغير ... أتريد واحدة؟"

انتبهت على صوت هذاالرجل القروي البسيط ... واضعا امامه طبقا تراصت به قطع مرمرية من البطيخ بطريقة تجعله حلوا في العيون ... خصوصا في هذا الجو الحار الذي ينزع الماء من جسدك انتزاعاً

"أتريد واحدة يا فتى؟"

أيقظني كلماته مرة أخرى ... نظرت إليه ... إلى عينيه ... هاتان العينان القويتان الحادتان، واللتان تبدوان كجوهرتين، احاطتهما كمية من التجاعيد المحفورة بشكل يوحي أنها تحافظ عليهما ... بينما اعتلت رأسه تلك العمامة القروية ... وزينت وجهه بسمة محببة تجعلك تظن أنك تنظر لمصر ذاتها

اقتربت في هدوء متنحنا وأنا أردد :
" نعــ ... نعم ... أريد واحدة"

التقط واحدة من الطبق واضعا إياها أمام عيني وهو يردد :
"أتراها يا فتى ... تبدو كما لو كانت قطعة من الثلج الأحمر، على وشك أن يزيل غبار العطش من جوفك الصغير"

اقتربت اكثر وأنا أهز رأسي مبتسما ولعابي يكاد يسيل عليها

" هاك إياها أيها الصغير ... يبدو أنك تتوق لتروى ظمأك"

مددت يدي الرقيقة في تردد بينما هو يتابع :

"الماء الذي يحويه هذا البطيخ سيجعلك مرحا نشيطا ... إنه ماء الحياة ذاته"

أقترب أكثر بكفي من تلك القطعة اللامعة، وأنا أتخيلها تذوب بين شفتي في تلذذ ... ممنيا نفسي بطعم ملائكي

اقتربت أكثر ... مددت يدي ... لمستها بأصابعي .. و ...


فجأة ... أسرع الرجل يلقيها في فمه بسرعة ... ناظرا إليّ وإلى نظراتي المصدومة الغير مصدقة

ثم انفجر ضاحكا بشدة على هذا المقلب الرائع ... ضحك بملئ فيه ضحكا

لم أتمالك نفسي ... انحدرت دمعة من جانب فمي في يأس ... اقشعر جسدي لانطلاء الحيلة عليّ

وذاك القروي لا يزال يضحك ... لا يزال سعيدا ... وكلما رأى دموعي ضحك أكثر وأكثر وأكثر و ...

--------------------

لكنه توقف بغتة ... وجحظت عيناه ... وسعل بشدة

تراجعت في خوف وقلق ... ما الذي حدث

بدأ الرجل يصدر أصواتا غريبة ... ويبدو أنه كان يكافح ليتنفس ... يبدو أن بذرة أو قطعة ما انحشرت في حلقه

بدأ يحشرج ... ويشير إلي بيد مرتعشة لأساعده ... لكني هممت بالهروب خوفا

ومع ذلك لم أفعل ... بل وقفت قليلا... ثم تقدمت نحوه في تردد ... وعيناه محمرتان كالدم ... بينما نفسه يتباطأ ...

كان في نظرته شكر وامتنان لأني لم أتركه ... لأني ربما أساعده ...لأنه ربما يعيش ثانيةً

اقتربت ... وانحنيت عليه

تناولت طبق البطيخ ... وتركت ساقي للريح


------------

No comments: